كم يمن سيصبح لدينا اذا ما تم التوافق بين النخبة الحاكمة في هذا البلد واللاعبين الدوليين على تفكيك الدولة الاندماجية الموحدة القائمة حالياً واستبدالها بمكونات دولة اتحادية تتشكل من عدة اقاليم أو دويلات لكل منها تشريعاتها وقوانينها وانظمتها وامنها وسلطاتها البرلمانية والتنفيذية والقضائية والامنية ؟
هذا السؤال الذي لا يعرف أي يمني حتى الآن اجابته الدقيقة لابد وانه الذي يفتح اذهاننا على التحدي الذي يواجه وحدة اليمن في الوقت الراهن في ضوء تنامي الاصوات المنادية بالانفصال في الجنوب واستغلال عدد من القيادات الجنوبية المتواجدة في الخارج لحالات التذمر والسخط لدى بعض المواطنين كرد فعل على الممارسات الخاطئة التي ارتكبت من قبل نافذين أو مسؤولين سابقين في بعض المحافظات الجنوبية لتصفية حسابات قديمة مع الرموز التي تتبوأ اليوم اهم مفاصل سلطة الدولة الموحدة وفي الصدارة منها الرئيس عبد ربه منصور هادي باعتبار هذه الرموز هي من كسرت شوكتها في حرب صيف عام 94 ودفعت بها إلى خارج الساحة اليمنية وفي ظل اصرار نائب رئيس الجمهورية الاسبق علي سالم البيض على تنفيذ اجندات إيران في اليمن والتي تحاول من خلالها نشر الفوضى في هذا البلد عن طريق تمزيق وحدته واشعال الحروب بين ابنائه.
وفي نطاق هذه الدوافع فقد استمرت التعبئة ضد الوحدة وتحريض ابناء المحافظات الجنوبية عليها باظهارها و كأنها السبب في كل ما لحق بهم من معاناة أو ما تعرضوا له من اقصاء اوتهميش بل وتحميلها جميع المصاعب والازمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي مر بها اليمن منذ اندماج شطريه في كيان واحد في مايو 1990 م فيما ان الحقيقة ان تلك المشكلات والمصاعب لم تكن من نتاج الوحدة وانما هي من ورثتها عن حقب التشطير وما تخللها من دورات عنف وحروب ومواجهات دامية اكانت بين الشطرين أو على مستوى الشطر الواحد وقد وجدت تلك الافرازات سبيلها للظهور من خلال التعقيدات التي شابت العملية السياسية بعد الوحدة وقيام التعددية الحزبية التي سعرت من الصراع على السلطة وبالذات بين الشريكين اللذين وقعا الاتفاق الوحدوي حيث ظل كل واحد منهما يتربص بالآخر بانتظار الاجهاز عليه والتفرد بمركز القرار والنفوذ على السلطة .. وهو الصراع الذي افضى إلى حرب اهلية طاحنة مازالت جروحها غائرة حتى اللحظة.
وامام كل هذه التعقيدات فقد ادرك الشباب الذين خرجوا إلى الساحات في العاصمة والمدن اليمنية مطلع عام 2011 م للمطالبة بتغيير وايقاف مسلسل التوترات والاحتقانات التي تنخر في المجتمع ان مشروع التغيير الذي ينشدونه لا يمكن له ان يتحقق دون ترميم الشروخ التي اصابت الجدار الوطني ولذلك فقد اخذوا على عاتقهم دعوة القيادة السياسية والحكومة إلى معالجة كل القضايا التي من شأنها الاضرار بالوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي وبما يحافظ على وحدة هذا الشعب والبنى السياسية والتشريعية والاجتماعية للدولة الواحدة لايمانهم الراسخ بأن توجهات التغيير الاصلاحية وان لم تأت مبنية على افكار واساليب صحيحة وخيارات عقلانية فإن محصلتها ستكون هشة ولامعنى لها ان لم تصبح مدخلاً لمزيد من الاخطاء واشاعة الاحباط واليأس لدى عامة الناس .
واذا ما تأملنا في مشروع التغيير الذي يتم الإعداد والتحضير له بعيداً عن كواليس مؤتمر الحوار والنقاشات التي تجري داخل هذا المؤتمر لوجدنا ان مثل هذا المشروع يدفعنا إلى خوض مغامرة غير مأمونة أو مضمونة النتائج حيث ان استبدال الدولة الموحدة بدولة اتحادية تعد سابقة على مستوى المنطقة عموما .. في الوقت الذي لسنا بحاجة للدخول في مثل هذه المجازفة الخطيرة بحجة اسقاط ذرائع دعاة الانفصال مع اننا الذين نعرف مسبقاً ان علي سالم البيض الذي يقدم نفسه رئيساً من عدة سنوات لجمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية الذي اندمجت مع الجمهورية العربية اليمنية لن يقبل بغير الانفصال وتفتيت اليمن حتى ولو قمنا بتقسيم اليمن إلى عدة دويلات تتضمن دولة في حضرموت وامارة في ابين وجمهورية في عدن وجمهورية في تعز ومشيخة في عمران ودولة في صنعاء ومملكة اسلامية في صعدة وسلطنة في سقطرى .. اما اذا كان المراد من الدولة الاتحادية هو انهاء المركزية الشديدة وتمكين المجتمعات المحلية من اداره شؤونها فإن ذلك يمكن تحقيقه من خلال نظام اداري لا مركزي وحزمة من القوانين القوية التي تسمح بتقاسم الصلاحيات والثروة بين المركز والوحدات الادارية المحلية.
وعليه فإذا كان الانفصال لم يجد تأييدا من المجتمعين الدولي والاقليمي فإن تمرد أي اقليم من اقاليم الدولة الاتحادية يمكن ان يؤدي إلى انهيار كامل لمكونات الدولة ويكفي النظر إلى ما يعتمل اليوم في العراق .. وعلى الذين يقولون ان اكثر الدول تقدماً في العالم هي الدول الاتحادية ان يفهموا ان هذه الدول لم تتقدم بسبب كونها اتحادية وانما لأنها اتجهت من الانقسام إلى التوحيد فتطورت بفعل التوحد، اما اليمن فإننا نريد نقلها من الوحدة إلى الانقسام وهذا يعني اننا نسير عكس التيار.