في إقليم الأنبار، حيث ينتشر العصيان ضد حكومة نوري المالكي، يتساءل المرء عن أهمية فتح معركة كبيرة كان يمكن حسمها سياسيا بيسر من قبل بغداد؟ لا يوجد نفط في الأنبار، ولا مراكز قوى حقيقية، وليست سوى أرض بور أهلها غاضبون من اضطهاد المالكي المستمر لهم، وكان بإمكانه شخصيا حل قضاياهم بدلا من تقديم الوعود التي لم ينفذ منها شيئا، أو في أسوأ الأحوال كان يمكنه تجاهلها، بدلا من إرسال قواته لارتكاب مجازر بالمئات بحق متظاهرين عزل.
فتش عن السبب في رأس رئيس الوزراء، الذي يتضح مع مرور الوقت أنه يريد أن يحقق أهدافا خارج الخلاف المعلن بينه وبين المتظاهرين والمعتصمين. ففي الفخ أكبر من العصفور. المالكي، من جانب، يريد أن يظهر بمظهر حامي الشيعة بملاحقته السنة، لإضعاف منافسيه من الزعامات الشيعية التي تهدده سياسيا. لهذا، تعمد إقصاء ومطاردة خصومه السياسيين السنة وتجاهل خصومه الشيعة. ومن جانب آخر، المالكي حليف لإيران ويدفع بالعراق لمساندة النظام السوري.
فقد فتح الأجواء، والأراضي العراقية، لمرور وعبور الدعم العسكري الإيراني الهائل للأسد. ومصادر تؤكد أنه موّل الأسد ماليا ولوجيستيا خلال الأشهر الماضية، وشاركت قواته في مقاتلة الثوار على الحدود أكثر من مرة. وهو الآن يشن حربا أكبر، هدفها محاصرة المنطقة الفاصلة للقضاء على الثورة السورية ومؤيديها على حدود بلاده وما وراءها.
ولا يمكن فهم الحماس الذي دب في حكومة المالكي لإرسال قواته إلى المناطق الغربية الشمالية، هذه المرة الثانية منذ تسلمه الحكم. الأولى، كانت ضد ميليشيات الصدر تحت عنوان «صولة الفرسان» قبل ست سنوات، وقاتله الصدريون تحت شعار محاربة ميليشيات الدعوة والمخابرات الإيرانية. لا يمكن فهم حماس المالكي لإسالة المزيد من الدماء إلا في إطار التحالف الوثيق مع النظام الإيراني! إنه يقوم بعمل مواز لما يفعله الوكيل الثاني لإيران، حسن نصر الله الذي جند ميليشياته للقتال إلى جانب قوات الأسد لإخماد الثورة في سوريا، وخاصة في القصير وريف حمص وحتى المناطق الحدودية مع لبنان. لذا، يبدو أننا أمام حليفين لطهران يقاتلان إلى جانب الأسد على الجبهتين السوريتين الشرقية الجنوبية، والغربية، أي العراق ولبنان.
إلا أن نجاح الكماشة الإيرانية هذه ضد الشعب السوري مرهون بقدرة الأسد على البقاء صامدا في دمشق للأشهر المقبلة، أمر مستبعد مع تقدم الثوار بإصرار باتجاه العاصمة من حلب ودرعا. وهذا يعيدنا للسؤال السابق، إذن لماذا يورط المالكي نفسه في حرب، الأرجح أنها خاسرة؟ لاحظنا أن كل خطب المالكي ومقابلاته الأخيرة مسكونة بالموضوع السوري ومصير نظام الأسد، وتتناغم مع التصريحات الإيرانية، مما يوحي بأنه ملتزم مع حليفه الإيراني مساندة الأسد بإرسال قواته إلى المناطق العراقية المضطربة وحتى ما وراء الحدود إلى الداخل السوري. إنه يعتقد، مثل الإيرانيين، أن سقوط نظام الأسد، وقيام نظام معاد لإيران بديل في دمشق، يمثل جبهة حرب ضده وإيران وحزب الله.
الحرس الثوري في إيران اعترف بأن سقوط سوريا هو بمثابة سقوط طهران. المعنى هنا أن الهزيمة ستؤذن بفتح أبواب جهنم على النظام الإيراني، ستفتح عليهم ثورة داخلية وخارجية. أو هكذا يصورها أحد قادة الحرس الثوري عندما برر المشاركة العسكرية الضخمة لإيران في إنقاذ نظام الأسد من الانهيار.