على منوال حالات العصيان المدني الإجباري التي تنفذها ميليشيات الحراك الانفصالي المسلح في بعض المحافظات الجنوبية؛ تنفذ ميليشيات الحوثي في صعدة حسينيات اللعن الإجباري ضد أمريكا وإسرائيل واليهود!
وكما يفعل الحراك الانفصالي المسلح الذي يغلق الشوارع، ويطلق الرصاص في الجو لتخويف المواطنين لمنعهم من الذهاب إلى الوظائف وفتح محلاتهم، وارتياد الطلبة للمدارس؛ تقتحم ميليشات الحوثيين منذ أسابيع المساجد لتفرض على المصلين ترديد اللعنات بالقوة! وفي الحالتين يعود أبطال العصيان الإجباري واللعنة الإجبارية إلى زعمائهم مسرورين أن العصيان نجح.. واللعنة حدثت!
هذا التشابه في الممارسات بين الحوثيين والحراك الانفصالي لا يجب أن يدعو إلى الدهشة؛ ليس فقط لاعتبارات التحالفات القديمة، ولكن لأن طبيعة المشروعين تؤدي بالضرورة إلى التقارب والتفاهم المؤدي إلى التشابه على اعتبار أن الطيور والمشاريع المشبوهة على أشكالها تقع! ولا يغرنّ أحدا ما يردده أتباع الطرفين أن ما يجمعهم هو المظلومية من النظام السابق وحلفائه.. فحتى هذا الحديث عن المظلومية يتشابه في أكاذيبه ومبالغاته، ويتشابه في أن الطرفين لا يرون في المظالم التي مارسوها في السابق أيام كانوا حكاما وأئمة جبابرة؛ وتلك التي يمارسونها الآن ضد اليمنيين باسم الحراك والصرخة؛ مظالم حقيقية وجرائم لا تسقط بالتقادم تستحق الإدانة، ووضعها على طاولات مؤتمر الحوار لمناقشتها والاستماع للمظلومين وصولا للاعتذار عنها، وقصارى ما يفعله بعضهم أن يصرخوا مشوشرين أنهم قد اعتذروا في يوم.. في شهر.. في سنة.. وعلى المتضرر أن يبحث بنفسه!
•••
العصيان الإجباري الذي يفرضه الحراك الانفصالي المسلح في عدن خاصة ليس جديدا على الشعب هناك.. فتاريخ الحراكيين المعاصر القريب يزدحم بأشياء كثيرة إجبارية ضد الجنوبيين المضطهدين، وأظرف تلك الأشياء الإجبارية ما كان المواطنون يسمونه "التكعيف" وهذا سلوك ظهر منذ أممت الدولة تجارة الأسماك والخضروات واللحوم، ولأنها دولة فقد كان يفرض على المواطنين شراء أشياء معينة ولو لم يكونوا بحاجة لها، وفي حالات أخرى كانوا "يكعّفون" المواطنين شراء الأشياء غير المرغوب فيها إن أرادوا شراء شيء يرغبون فيه؛ بمعنى أن من يريد شراء بطاط أو بصل فعليه أن "يتكعّف" ويشتري غصبا عنه شيئا غير راغب فيه مثل: الكوسة أو غير صالح للاستهلاك البشري مثل: موز حجري! ومن هنا يمكن فهم منشأ أو جذر هذا السلوك الهتلري -أو ثقافة الإجبار كما هو شائع- عند ميليشيات الحراك المسلح، وصحيح أن الشبان الذين يقومون بذلك لم يعاصروا زمن "التكعيف" والهرولة فجرا إلى الأسواق، لكن لا ننسى أن القيادات التي تخطط وتوجه وتحرض هي نفسها التي مارست الإجبار في السابق!
قضية اللعن عند الحوثيين راسخة أيضا في نفسياتهم وفي مذهبهم الجارودي، وقد نفهم أن شخصا ما يريد أن يلعن اليهود وأمريكا والجن والعفاريت.. لكن غير المفهوم أن يعمل على إجبار الناس على ذلك، وينسى أن الله تع إلى لا يجبر أحدا على عبادته فضلا عن الإيمان به.. والحوثيون يزعمون أنهم ينتمون إلى مذهب يؤمن بحرية الإنسان كما خلقه الله للاختيار بين الصراط المستقيم وسبل الغواية .. ومع ذلك فإنهم في اللعن لا يؤمنون بالحرية، ويتصرفون مثل أهل الجبر، ويجبرون المسلمين على أداء فريضة اللعن بالإجبار والإرهاب!
قضية اللعن مترسخة في عقيدة البعض منذ جعلت بعض فرق الشيعة المتطرفة اللعن جزءا من تدينهم، حتى أن بعضها كرست احتفالات دينية ومجالس للعن كبار الصحابة كالصديق والفاروق وعائشة.. ويوما ما جاء إلى مقر صحيفة الصحوة الملحق الثقافي الإيراني (من عرب الأحواز الشيعة) معاتبا لوضع الشيعة الاثني عشرية في باكستان (ضمن سلسلة مقالات للدكتور فؤاد البنا عن ذكريات دراسته هناك) ضمن الفرق المنحرفة عن الإسلام.. وراح الملحق الثقافي يومها يؤكد لي أن فكر الثورة الإيرانية هو فكر الإخوان المسلمين، لكن المورثات المذهبية العوجاء مترسخة في نفوس العامة، وتحتاج وقتا للتخلص منها، واستشهد على ذلك بأن جدته لا تهنأ في ذكرى مقتل عمر بن الخطاب إلا بأن تلبس أحسن ثيابها، وتربط عصابة حمراء على رأسها ثم ترقص ابتهاجا بذكرى مقتل الفاروق!
المؤرخ الراحل محمد علي الأكوع يذكر في مذكراته شيئا من هذه الطقوس الشاذة المحسوبة على الدين، فقد كان بعض المتعصبين في ذمار زمن الإمام يحيى يعدون أن نباح الكلاب هو لعن لمعاوية.. وفي يوم راح بعض أولئك المتعصبين يحثون كلبا على النباح لإيذاء مواطن من أهل البيضاء السنة كان موجودا بجانبهم، وهم يقولون للكلب: العن معاوية.. العن معاوية.. وبظرافة رد عليهم صاحب البيضاء معلقا على اعتبار نباح الكلب لعنا للمعاوية وواصفا الكلب: أصلا هو.. شيعي!
المثير للتأمل أن بعض فقهاء اللعن المتحذلقين بدلا من أن يعملوا على نبذ ممارسة لعن الصحابة والتبرؤ منها، وصرف الجهلة عنها؛ يذهبون لتبريرها بأن معاوية بن أبي سفيان هو أول من سن لعن الإمام علي على المنابر (والغريب أنهم يذكرون عدد المساجد بالضبط: 80 ألف مسجد!).. ومع أن الخليفة عمر بن عبد العزيز أمر يإيقاف اللعن قبل 1330؛ إلا أن شهوة اللعن وجدت عند المتطرفين من شيعة آل البيت مستقرا حتى الآن، وما زالوا يمارسون اللعن بدعوى أن معاوية هو الذي بدأ اللعن.. والبادئ أظلم!
قد يبدو لعن الحوثيين لليهود وأمريكا وإسرائيل عند البعض أهون من تكفير ولعن معظم أو بعض الصحابة (حسب نوعية المذهب هنا أو هناك!).. وهو رأي قد يبدو وجيها إلى حد ما.. فقط لو أن الحوثيين اللاعنين احتسبوا الأمر من المندوبات أو حتى سنة ولكن ليس فرضا وركنا من أركان الإسلام؛ بحيث يجيزون لأنفسهم اقتحام المساجد وفرض اللعنة بالقوة.. وإلا فعليكم اللعنة.. ولكم الموت!