بعد أن أوشك هلال الشهر الكريم على الغروب ينبغي أن نتوقف قليلاً لكي نسترجع نماذج من المشاهد السلبية التي رافقت أيام وليالي هذا الشهر، وكانت سبباً في معاناة الملايين من أبناء هذا الشعب الطيب الصبور، وهي كثيرة ويحتاج كل مشهد منها إلى مساحة أوسع من هذه الزاوية المحدودة. لكني سأحاول الإيجاز قدر الإمكان وأترك للقارئ تخيل التفاصيل واقتراح المعالجات. وهذه هي المشاهد:
أولاً: مشهد الكهرباء والمياه، وقد جمعت بينهما في مشهد واحد لأنهما يتلازمان في حياة الناس ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، كما لا يمكن -في الزمن الراهن- وجود الأول في غياب الثاني. فإذا انقطعت الكهرباء انقطعت المياه من الوصول أولاً إلى الأحياء، ومن ثم تعذّر وصولها ثانياً إلى المنازل. وأعترف أن الحي الذي أعيش فيه لم تدخله قطرة ماء واحدة منذ ما قبل شهر رمضان وإلى لحظة كتابة هذه الكلمات. والجميع يعتمدون على خدمات صهاريج النقل المسماه ب "الوايتات" ومع ذلك لا أستبعد أن تأتي فواتير مؤسسة المياه تطالب بقيمة الهواء الذي يمر عبر الأنابيب الجاّفة. أما عن الكهرباء فالحديث يطول فقد كانت الإطفاءات تستمر لأيام وأحياناً لساعات طويلة ولم يسلم من الشكوى سوى أولئك المحظوظين الذين استعاضوا عنها بالمولدات المنزلية.
ثانياً: مشهد ارتفاع الأسعار الذي يرافق عادة، ومنذ سنوات، حلول شهر الصوم، وكأنه الموعد المحدد والمتفق عليه بين التجار لرفع أسعار السلع الضرورية والكمالية على حدٍ سواء. واللافت أن الأسعار لا تعود إلى ما كانت عليه بعد انقضاء أيام الشهر الكريم بل يأخذ تصاعدها الاستثنائي قانونية البقاء والاستمرار. وإذا كانت الدولة تعطي بعض الاهتمام المحدود في متابعة أسعار السلع الغذائية الضرورية كالقمح والرز والزيت فإنها لا تعطي أدنى اهتمام لبقية السلع الأخرى ومنها ما يُعد ضرورياً كالملابس على سبيل المثال، فأسعارها ترتفع بصورة جنونية تجعل القادرين فضلاً أن عن محدودي الدخل لا يقدرون على شراء ما يلزمهم منها.
ثالثاً: غياب التفتيش الصحي والرقابة على المأكولات التي تباع في الأماكن المفتوحة وفي مداخل الأحياء الشعبية، وما يستخدمه باعة هذا النوع من المأكولات من زيوت فاسدة في إعداد ما يسمى بالسمبوسة والمطبّق والبطاطا المقلية، وما ينتج عن بيع هذه السموم من قوافل تأخذ طريقها كل يوم إلى المستشفيات التي باتت تضج بالمرضى وتشكو من الازدحامات والاكتظاظ غير المسبوق على مدار الساعة.
رابعاً: ارتفاع نسبة التلوث الصوتي في أحياء العاصمة وما تحدثه المفرقعات من إزعاجات وشعور بغياب الأمان لاسيما بعد أن تطور إنتاج أنواع من المفرقعات تشبه في انفجارها أصوات الصواريخ وقذائف الدبابات. ويبدو أن الجهات المختصة باتت عاجزة عن منع استيرادها أو ضبط مستخدميها من الصغار والكبار، وفي الأعراس خاصة حيث تتحول الأحياء إلى ساحات للمعارك الصوتية، ولا يعود أحد يفرّق بين ما يحدث في بعض الأحياء من اشتباكات بالرصاص الحي، وما يحدث في بقية الأوقات من اشتباكات صوتية مفزعة ومثيرة للقلق.
تلك باختصار شديد هي نماذج من المشاهد التي كدّرت حياة المواطنين في هذا الشهر الكريم الذي نودعه ويودعنا على أمل ألاّ يجيء في العام القادم إن شاء الله إلاَّ وقد تغيّرت صورة هذا الواقع وحققت البلاد ما تطمح إليه من مقومات الاستقرار والرخاء والصفاء.
الشاعر محمد عبدالغني الشميري في ديوان هواجس غريب:
عن مؤسسة الإبداع للثقافة والأدب والفنون صدر هذا الديوان الذي يقدم شاعراً متمكناً في كتابة القصيدة في شكلها الموروث وفي شكلها الحديث أيضاً. للديوان مقدمة متميزة بقلم الدكتور عبدالولي الشميري راعي مؤسسة الإبداع. ويقع الديوان في 189 صفحة من القطع المتوسط.
تأملات شعرية:
تعود علينا
على وطنٍ مثقلٍ بالهموم
وقد رحلت عنه أوجاعهُ
ومخاوفه،
واشتفتْ روحهُ
من عميق الجراحْ .
تعود علينا،
على أمةٍ سئمتْ ذاتَها
وألقتْ بحاضرها، وبتاريخها
في مهب الرياحْ.