يراهن العديد من المراقبين على الحكمة اليمنية في تجاوز الأزمة التي يمر بها حالياً مؤتمر الحوار الوطني الذي انطلق قبل أشهر عدة، حيث يواجه معضلات في إنهاء أشغاله بعد تحديات، كانت في الحقيقة متوقعة، ظهرت من قبل بعض الأطراف المشاركة في مؤتمر الحوار التي قاطعت الجلسة الثالثة التي كان مقرراً لها أن تكون ختامية .
قد يبدو مفهوماً ما يحدث في اليمن، قياساً إلى حجم التركة الهائلة التي خلفتها الصراعات الماضية بين أطراف الحياة السياسية، بخاصة منذ إعادة تحقيق وحدة البلاد في الثاني والعشرين من مايو/ أيار من العام ،1990 وما تبعها من تداعيات أبرزها الحرب الأهلية التي وقعت بعد أربع سنوات من الوحدة والآثار الكبيرة التي نجمت عن الحرب لجهة الإدارة السيئة لملف الجنوب، حيث استبيحت أرضه من قبل المتنفذين والممسكين بالدولة، وتم إيقاف الآلاف من الكوادر العسكرية والمدنية في مختلف مؤسسات الدولة، وتنامى شعور الجنوبيين بالظلم والإجحاف والتهميش حتى وصل إلى المطالبة من قبل بعض التيارات بالانفصال عن دولة الوحدة .
وجاءت حروب صعدة الست في شمال البلاد لتزيد من الأثقال التي تحملتها الدولة الضعيفة أصلاً، فقسمت اليمنيين أكثر، ودفع اليمن أثماناً باهظة لهذه الحروب بشراً ومالاً، ثم جاءت أحداث العام 2011 كامتداد لثورات الربيع العربي التي اجتاحت عدداً من الدول العربية لتقضي على ما تبقى من هشاشة في جسد الدولة المنهكة .
وشكلت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية طوق نجاة لليمنيين، إذ إنها أحسنت التعامل مع الأوضاع المعقدة في البلاد وسمحت بإيجاد أرضية توافق عليها اليمنيون، أفراداً ومؤسسات سياسية وعسكرية وقبلية، للخروج من دوامة الحرب الأهلية التي كانت تلوح في الأفق، وكانت كفيلة بإعادة الأوضاع إلى أسوأ مما كانت عليه قبل انطلاق ثورة الشباب عام 2011 .
ودفعت المبادرة الخليجية الأطراف السياسية والمتخاصمين العسكريين والقبليين إلى تبني مؤتمر للحوار يجري من خلاله النقاش في وضع اليمن ومستقبله، وتكلل ذلك في مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي انطلق في الثامن عشر من شهر مارس/ آذار ليضع بذلك اللبنة الأولى والأساسية لحوار جامع يحدد مستقبل اليمن .
كل هذا لم يمنع وجود تحديات حقيقية أمام مؤتمر الحوار الوطني، بخاصة ما يتصل بعدم توافق الأطراف المشاركة في مؤتمر الحوار على عدد أقاليم الدولة الاتحادية المقبلة، وما استتبع ذلك من احتقان سياسي قائم حالياً يجعل من الخوف على انهيار الحوار أمراً مبرراً، لكن ما يجب أن يعرفه المشاركون في مؤتمر الحوار أن الفشل ممنوع، ذلك أن مترتبات الفشل ستكون كارثية على المواطن اليمني الذي يبحث عن نقطة ضوء في آخر النفق للتخلص من كابوس التمزق، لأنه يدرك أن أي فشل في مؤتمر الحوار سيدخل البلاد في نفق مظلم لن يخرج منه اليمن أبداً .