(في كبرنا نكتب بقلم رصاص لاننا تعلمنا ان الكتابة بالحبر ليس سهلا محوها)
حكمة من يريد تجنب الخطأ
13 - هل وصل الدور إلى السعودية؟ ان اهم سؤال يجب طرحه الان وليس غدا هو: هل تدمير بابل واور مرة ثانية بعد غزو العراق مقدمة لتدمير الكعبة في اكبر عملية انتقام تاريخي مضمر طوال الاف السنين؟ ولتقديم المزيد من الادلة على الشراكة الاستراتيجية والتاريخية العميقة والعضوية بين الصهيونية ونخب الفرس القومية قديما وحديثا لابد من الاشارة إلى ان تدمير بابل اول مرة وقع على يد امبراطور الفرس كورش الذي هاجم بابل ل (تحرير) اليهود من الاسر البابلي.
هنا ندخل في صلب موضوع مستقبل السعودية، ولكن قبل التوغل في مجاهيل العقل الصهيوأمريكي لابد من ازالة وهم ربما يستحوذ على عقول البعض وهو ان أوروبا وأمريكا المسيحيتان وإيران (الاسلامية) ليس منطقيا ان تعمل كل منها على تدمير الكعبة لانها تراث ابراهيم الخليل اب العرب واليهود معا، اما إيران فلانها اسلامية فلن تفكر بتدمير الكعبة! هذا منطق من ضاع في مجاهل غابات العدو المشترك، فاليهودية السائدة، كما تقول مصادر غربية ومصادر يهودية مثل ناطوري كارتا، ليست يهودية النبي موسى بل هي احد اخطر انواع عبادة الشيطان، كما تدل العديد من الشواهد والوثائق التاريخية والمعاصرة، لذلك فان عمل الغرب والصهيونية على تدمير الكعبة عمل شيطاني في المقام الاول هدفه التمهيد لعبادة الشيطان في كل مكان خصوصا في البقعة التي اختارها الله لتكون الاكثر قداسة واهمية. اما نخب إيران السائدة فأن اسلاميتها لا تعدو كونها برقعا تضعه على وجهها وهي تمارس بغاء (زواج المتعة) مع كل طارق سبيل يمكنه دعم مشروعها الامبراطوري الاستعماري، مثل ممارستها البغاء علنا مع أمريكا واسرائيل في إيرانجيت، لهذا فان تدمير الكعبة أو الغاء دورها هدف مجوسي وقومي فارسي جوهري.
الان السعودية تواجه كمائن مميتة لاول مرة في تاريخها:
أ-كمائن الشمال الشرقي: فمن الشرق، وبعد ان ازالت أمريكا جبل النار العراقي بغزو العراق والذي كان يمنع حتى البعوض الفارسي من العبور إلى العراق ومنه إلى العرب الاخرين، كسرت البواية الشرقية وتدفقت كافة اشكال مخلوقات إيران الوحشية والمشبعة باحقاد لا حدود لها على الامة العربية، نراها الان بلا غموض وبصورة انموذجية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، لقد تدفقت تلك المخلوقات إلى العراق ومنه تحشدت على الحدود السعودية في اكثر مناطقها رخاوة: المنطقة الشرقية حيث مكامن النفط والالغام الطائفية.
والخطورة هنا مزدوجة: خطورة على الهوية الوطنية السعودية حيث توجد فئة سعودية جعلت هويتها الطائفية بديلا عن هويتها القومية العربية ووطنيتها السعودية، وخطورة من الخارج حيث اسس (جيش) معاد للسعودية في شرقها وتحديدا في جنوب العراق والكويت، وتزداد الخطورة عندما نأخذ بنظر الاعتبار ان كمائن إيران في جنوب العراق والكويت لديها دعم ملموس في المنطقة الشرقية من السعودية، تماما كما كان الامر في جنوب العراق قبل غزوه واستخدم الاحتياطي الإيراني هناك ليكون اهم عناصر دعم وانجاح الغزو الأمريكي للعراق. فجنوب العراق والكويت الان عبارة عن مخازن بشرية ومخازن سلاح جاهزة لغزو السعودية في لحظة بدء أمريكا خطة تقسيم السعودية.
ب-كمائن الجنوب: واسست إيران وبدعم أمريكي صريح قاعدة شعبية وعسكرية بالغة الخطورة في شمال اليمن على الحدود مع السعودية هي قاعدة الحوثيين والتي تعد مصدرا مهلكا ليس لليمن فقط بل للسعودية وكل الخليج العربي، لان تمرد وعزل شمال اليمن وجعله اهم مراكز نشر الفوضى والتشرذم في جنوب الجزيرة العربية والقنبلة الموقوتة التي يمكن ان تفجر السعودية من جنوبها. اما اذا تعاون الحوثيون مع نظرائهم في جنوب العراق والكويت للقيام باعمال مشتركة منسقة بتخطيط إيراني فان السعودية تصبح امام تحديات بالغة الخطورة، ولعل مقاتلة الجيش السعودي للحوثيين مباشرة قد نبههم إلى خطورة وجود القاعدة الحوثية في جنوب السعودية والتي اصبحت لا تقل خطورة عن القاعدة الإيرانية الاشد خطورة وهي حزب الله في لبنان ولا نقول اللبناني لانه تخلى عن العروبة.
ج - كمائن البحرين وقطر: لمن لا يعلم لم تدخلت قوات (درع الجزيرة) وهذه اول مرة تقوم بها هذه القوات بدور قومي فعلي، لاحباط اخطر مؤامرة إيرانية على البحرين عندما قام عملاءها مثل حزب الدعوة البحريني (جمعية الوفاق) وتوابعها الاذلاء المرتدين الذين يتسترون - ويا للعار - باسم (التيار القومي) بشن هجمات مسلحة واسعة النطاق صورت ووثقت ولم يعد بامكان اي اعمى ضمير انكارها، على ابناء البحرين البسطاء وقتل عدد كبير منهم فاصبحت البحرين تطفو على عنف منظم طائفي المظهر لكنه يستبطن وينفذ خطة إيرانية لغزو البحرين. فتدخل درع الجزيرة واحبط تلك المؤامرة.
لم تكن أمريكا بعيدة عن تحريض تيار في قطر ضد السعودية فالكل تصور ان الخلاف السعودي القطري خلاف عادي بين امير قطر السابق والسعودية لكن التحريض الأمريكي ضد السعودية كان حاضرا لان أمريكا كانت تنفذ خطوة واحدة من استراتيجية تقسيم كافة الاقطار العربية، وهي ايجاد قاعدة عداء للسعودية في قطر لاكمال تطويقها! فالخطة كانت ومازالت تقوم على تطويق السعودية اولا وقبل اي خطوات اخرى بحزام معاد من كافة الجهات، ولذلك استغلت التيار القطري الغارق بسذاجة اوهامه لتحقيق هذا الهدف. لقد نشأت حساسيات أو عداء بين السعودية وقطر وهذا هو المطلوب أمريكيا. ما نتيجة ذلك كله؟ تطويق السعودية من شرقها بدأ من جنوب العراق ونزولا إلى الكويت وقطر وجيوب إيران في الامارات العربية.
د – كمائن الغرب: ان الوجود العسكري والمخابراتي الإيراني في ارتيريا والبحر الاحمر مقابل السعودية وقربها ليس سوى تطويق اخر لها من جهة البحر، وجهة البحر هذه تعد اهم طرق تنمية وادامة قوة الحوثيين في جنوب السعودية، لذلك لا يجوز ابدا تجاهل مغزى حرية تحرك البحرية الإيرانية في تلك المنطقة والتي كانت حكرا على أمريكا وفرنسا! بصريح العبارة أمريكا تسمح لإيران بالنشاط الخطير هناك لانها تريد اكمال تطويق السعودية من كل جانب.
قد يفسر البعض بان هذا تكتيك أمريكي لمواصلة حلب المال السعودي فوجود إيران في البحر الاحمر قرب اراضيها ومياهها الاقليمية هدفه اجبار السعودية على شراء السلاح الأمريكي وطلب الدعم الأمريكي، لكن هذا التفسير ضعيف جدا لانه يتجاهل الهدف الاخطر والابعد والذي اخذنا الان نراه بوضوح بعد غزو العراق، وهو وضع السعودية تحت عدة مطارق وفوق عدة سنادين ويتواصل الطرق عليها من كل جانب حتى تتفكك كدولة وكيان. انتبهوا لهذا الهدف السوبراستراتيجي الأمريكي ولا تذهبوا للسواقي الضحلة كالقول بانه وسيلة حلب المال فقط.
تطويق السعودية بهذه الطريقة ليس سوى مقدمة لابد منها للبدء لاحقا بتقسيمها اذن، وهنا تظهر مجددا صلة الشراكة الاستراتيجية الأمريكية الإيرانية في اليمن وفي السعودية وحولها، فأمريكا تعمل في اليمن على تعزيز نفوذ الحوثيين من جهة، وتعزيز مواقع الانفصاليين في جنوب اليمن من جهة ثانية، وكل تلك الاهداف تتلاقي في بؤرة واحدة وهي انهاء الكيان الوطني السعودي لاحقا. لذلك علينا ان نتذكر ان ما نشر من خرائط تقسيم السعودية اثناء العدوان الثلاثيني على العراق في عام 1991، واعيد نشرها في مطلع عام 2011، لم يكن تهديدا ولا خاطرة عابرة بل تطبيق اولي لخطة بعيدة المدى موضوعة لتقسيم السعودية، والان لم يعد سرا ان أمريكا تعمل بالتعاون الوثيق مع إيران على تحقيق ذلك الهدف الخطير.
السؤال المهم هو لماذا تقسيم السعودية؟
ان تقسيم السعودية هدفه المباشر هو اكمال مخطط تقسيم الاقطار العربية كافة وبالتدريج أو بالتزامن، وتسهيل الاستيلاء المباشر على ثروات الدول القزمة أو المقزمة التي ستنشأ على انقاض الكيان الوطني السعودي، اما الهدف الابعد فانه تطبيق خطة المسيحية الصهيونية بفرض ما تريده ومنه تدمير الكعبة بصفتها الرمز الاول للتوحيد انطلاقا من ابراهيم الخليل عليه السلام، لذلك فان معارك العالم الحالية التي ابتدأت في عام 1991 هي جزء من ام المعارك العالمية بين قوى الشر وقوى الخير، حسب تعابيرنا، أو انها الارميجادون حسب التعابير التوراتية، ولكن المضمون واحد وهو انها معركة الحسم وكسر العظم التاريخية الاكبر في تاريخ البشر.
هذه النظرة الاستراتيجية البعيدة لما يجري في وحول السعودية هي التي جعلتنا نرى وبصواب تام بان السعودية حينما تدخلت في معركة البحرين، وهي معركة قومية انموذجية في المقام الاول وقبل اي اعتبار اخر مهما كان لان الكيان البحريني العربي هو المهدد مباشرة وليس النظام فقط، كانت تفهم بان احتلال إيران للبحرين باي طريقة تم ما هو الا مقدمة لغزو السعودية وبدأ عملية تحويلها إلى دولة فاشلة تتهاوى تدريجيا نتيجة الازمات المتلاحقة والمترابطة داخليا وخارجيا حتى تتفكك وتنهار وتتحول إلى دول عديدة. فالنار البحرينية لن تنحصر في البحرين بل انها اصلا مصممة للتوسع حولها خصوصا نحو السعودية.
انها اذن معركة وجود وبقاء تلك التي توجهها السعودية ودول الخليج العربي كافة وليست معركة ديمقراطية أو حقوق الانسان والتي كانت دائما منتهكة في كافة الدول وبلا اي استثناء، بما في ذلك أمريكا التي تعد المنتهك الاول لكافة حقوق البشر خصوصا الحق الاهم وهو حق الحياة، واسألوا بشكل خاص العراقي والسوري والفلسطيني عن هذه الحقيقة، وفي هذه المعركة من يتعرض لمحاولات الازالة هو الهوية القومية العربية والوطنية للسعودية وليس النظام فقط، ولدينا الادلة الدامغة التي تثبت ذلك، فمصر وتونس وليبيا والعراق وسوريا واليمن والسودان لم تعد أمريكا تخوض فيها معركة (الديمقراطية أو حقوق الانسان)، كما ادعت في البداية، وانما هي تخوض معارك تقسيمها من اجل مصالحها الانانية كدولة امبريالية واستعمارية.
ومعارك أمريكا مثل معاركنا، انها معارك حياة أو موت، فهي لا تعيش الا على التوسع وثماره، وهي الان وقد وصلت ازمتها البنيوية الذروة ليس لديها من خيار سوى توسيع نهب العالم وتدمير مقاومة شعوبه للاستعباد الأمريكي، باستخدام كافة الاسلحة والوسائل، لكي تسخر ثروات الشعوب وابناءها لخدمة اهم اهدافها وهو تأجيل انهيارها كنظام رأسمالي تعفن وتحول إلى جثة لا تستمر الا بغرفة انعاش وبوسائل صناعية، كما عاش ارئيل شارون لعدة سنوات وهو ميت سريريا، ولعل اوضح الامثلة هو التأجيل الثاني للانهيار برفع سقف الدين العام في عهد اوباما.
أمريكا وحش كاسر لم يسبق للبشرية ان واجهت وحشا مثله عبر اكثر من 10 الاف عام من حيث تعطشه لابادة الاخر بلا اي رحمة أو تردد بانانية مرضية وغير مسبوقة، وهي لذلك تريد تسخير كل موارد العالم لاجل ابعاد شبح موتها بانهيار نظامها الرأسمالي الشائخ، ولكي تستطيع السيطرة على العالم عليها، اولا، ان تحول كل الدول المستهدفة إلى دول فاشلة تتحلل تلقائيا وتدريجيا وبلا غزو عسكري لا تستطيع أمريكا تحمل نتائجه الخطيرة كما اثبتت تجربة العراق.
وبما ان أمريكا وضعت اليد على النفط العراقي، وهو النفط الاكثر في العالم في واقع الامر وليس السعودية،، فان المطلوب الان وباسرع وقت ممكن الاسراع بإنهاء الكيان الوطني السعودي لاجل تحويل ملكية نفط السعودية إلى دويلات قزمة متناثرة ومتحاربة، فتصبح السيطرة على نفطها اسهل بكثير وبلا معوقات كبيرة، وبالسيطرة التامة على النفط العراقي والسعودي توفر أمريكا اهم ضمانات ديمومة الرأسمالية الأمريكية كما تعتقد، ولكن في غرفة انعاش. هذا ما تحتاج اليه الرأسمالية الأمريكية بصورة حاسمة.
اذن ما تريد فعله في السعودية هو نفس ما فعلته في العراق بفرض النظام الكونفدرالي تحت تسمية مضللة وهو الفدرالية، وهذا ما فعلته في السودان بفصل الجنوب والان تجري عمليات فصل اجزاء اخرى منه، وهذا ما تفعله في ليبيا التي بدأت عملية تقسيمها باعلان استقلال برقة، وهذا ما تريد فعله قريبا في اليمن وتونس ومصر وسوريا. واذا نجحت في ضم النفط السعودي،الموزع على دويلات، إلى النفط العراقي الموزع على اقاليم كونفدرالية فانها تعتقد بانها ستتجنب الموت السريع والحتمي وانها ستستطيع العيش بواسطة وسائل اصطناعية بلا حد زمني، وهذا بالتأكيد وهم قاتل فالرأسمالية الأمريكية ستموت حتما في النهاية كما مات شارون بعد سنوات من العيش الاصطناعي.
وبنفس الوقت وفي تلك البيئة يمكن تدمير الكعبة وهو هدف توراتي معروف. وكي نتأكد من ذلك دعونا نذكّر باهم التهديدات الصهيونية والتي صدرت عن قادة اسرائيل، ففي عام 1950 قال بن غوريون رئيس الوزراء حرفيا (إن هذه الخريطة ليست خريطة دولتنا، بل ان لنا خريطة أخرى عليكم أنتم مسؤولية تصميم خريطة الوطن الاسرائيلي، الممتد من النيل إلى الفرات.)، وقال بعد حرب1967 (لقد استولينا على القدس واستعدناها، ونحن اليوم في طريقنا إلى يثرب)! هل تعرفون من هي يثرب التي يتحدث عنها بن غوريون؟ انها المدينة المنورة! وفي نفس العام قالت غولدا مائير: (انني أشم رائحة أجدادي في الحجاز، وهي وطننا الذي علينا أن نستعيده). وعندما زارت مواقع في جنوب طابا تنفست وقالت: (أشم نسيم يثرب وخيبر)! وقال موشي دايان وزير الحرب بعد حرب عام 1967 واحتلال القدس (ألآن أصبح الطريق مفتوحا أمامنا إلى المدينة ومكة) واضاف (لقد وصلنا أورشليم وما زال أمامنا يثرب وأملاك قومنا فيها)!
اذن يثرب وخيبر وطن اجداد مائير وبن غوريون! لقد ابتلينا بوجود صلات لنا مع اكثر البشر تذكرا للتاريخ واحداثه مهما طال الزمن وهم الفرس واليهود! ومن يعتقد بان الصهاينة ينسون أو يتغيرون واهم، لان فلسفتهم تقوم على مقولة (تمسكن حتى تتمكن)، فهم يخفون اهدافهم عندما يكونون ضعفاء حتى يحين وقت تحقيقها بامتلاكهم القوة، ولذلك يجب علينا ان نتذكر بان اخطر عدوين لنا وهما الصهاينة والفرس يملكان ذاكرة تاريخية محفورة على سطح ماس صلب لا تمحى بعد الاف السنين، ولذلك انتظر الصهاينة 4 الاف عام لتحقيق هدفهم التوراتي، اما الفرس توأمهم في التذكر الحاد الطويل الامد فقد قرروا بعد فرض الاسلام عليهم قبل اكثر من 1400 عام تدمير (ملك العرب) والثأر منهم ومن دينهم وحضارتهم مهما طال الزمن، واختاورا (التقية اليهودية) وسيلة للتغلغل داخل الاسلام وتدميره من داخله، فصنعوا التشيع الصفوي.
اما نحن العرب فان ذاكرتنا التاريخية تحفظ معلوماتها على ورق عادي، ولا تنحت فوق سطح ماس كما يفعل الفرس والصهاينة، ولا ادري لماذا نترك الورق الذي كتبت عليه احداث ذاكرتنا التاريخية تحت امطار عاتية فلا يبقى منها شيء نتذكره، واهم مانفقده هو عدم تذكرنا لحقيقة عدونا ونبقى غير مدركين لكيفية تفكيره وما خطط لنا فلا نحتاط لمخاطر الثأر أو الغزو؟! هذا هو التخطيط التوراتي قائم وثابت وينفذ على خطوات ومن بين اهم الخطوات سيطرة اسرائيل على مكة والمدينة، وهكذا نجد انفسنا نواجه تحد مميت من قاطرتين تجران الاحداث بقوة وزخم متجدد وهما قاطرة رأسمالية النهب عبر الغزو، وقاطرة الاساطير التوارتية التي تريد تحويل الواقع الحالي إلى ترجمة حرفية لما ورد فيها.
المطلوب صهيونيا وإيرانيا وأمريكيا هو تدمير السعودية ككيان وليس النظام فقط، تماما مثلما استهدف العراق ككيان وليس كنظام فقط، ومثلما تستهدف سوريا وليبيا واليمن ومصر وتونس والسودان وغيره الان ككيانات قطرية عربية وليس كانظمة فقط، وعندما يحين وقت تفكيك السعودية تدريجيا خصوصا عبر الاداة الإيرانية داخلها في المنطقة الشرقية فاننا سنرى اعادة مطورة لما رايناه ونراه في العراق وليبيا وسوريا. لذلك فان اول مهمة قومية ووطنية تفرض نفسها وتعلو فوق اي مهمة اخرى هي حماية الهوية العربية والكيانات القطرية، التي رفضناها في مرحلة النضال من اجل الوحدة العربية، لان الكيان القطري بقي الحصن الاخير في دفاعنا عن الهوية وعن الامة كلها، فما لم تكن لدينا اقطار موجودة فان كل شيء يصبح مستحيلا، حماية الوجود القومي اولا وقبل كل شيء هي المهمة الحاسمة والاساسية والاكثر قدسية، وبدون التذكر الحاد والجاد تلك البديهية فان الدعوة للاصلاح واسقاط الانظمة، اذا عزلت عن تهديدات القوى الاستعمارية والصهيونية والإيرانية، تصبح احدى اخطر ادوات المعسكر الامبريالي الصهيوأمريكي المتشارك عضويا وسوبراستراتيجيا مع إيران واستراتيجيا مع تركيا.
من خلال هذه الصور المعاشة لما يجري الان هل ترون من هو الراكب ومن المركوب في موضوع السعودية ودول الخليج العربي؟ المصالح القومية العربية هي الراكبة ام انها مركوبة؟ من المهدد: العرب وهويتهم؟ ام الفرس والصهاينة وأمريكا؟ ايها السادة من الفاعل ومن المفعول به؟ هل الفاعل هو من يصرخ بألم (هل ضحينا بكل شيء لنحصل على ما يجري في سوريا وليبيا ومصر وتونس واليمن والسودان) ام انه مفعول به؟ من الجار ومن المجرور: من وضع في نحو لغتنا (من) فجرت الجبال والجمال خلفها؟ ام الجبال والجمال التي جرت من خشومها رغما عنها بقوة (من)؟! يتبع..
* كاتب ومفكر عراقي