أرشيف الرأي

إسناد العملية السياسية والوقت الضائع

تتعالي الصرخات والدعوات من كل صوب للإسراع بمساندة العملية السياسية في اليمن.فالقيادة السياسية اليمنية تجاهد لمواجهة التحديات العنيفة والكثيرة التي تضرب اليمن بقوة منذ انطلاق "الثورة الشبابية الشعبية" في فبراير عام 2011 لدرء خطر الارتداد إلى الخلف والانزلاق إلى حرب أهلية وتأمين انتقال سلس وسريع للعملية السياسية ، مثلما تجاهد مختلف القوى المناهضة لها على إحباطها ووضع كافة العقبات والعراقيل في طريقها وهو سباق محموم بينهما على كسب عامل الوقت.

وبعد مرور ثلاثة سنوات يجد الشباب أنفسهم قبل غيرهم من فئات المجتمع اليمني وشمعة الامل في تحقيق مطالبهم وتطلعاتهم في حياة حرة كريمة تخبو شيئا فشيئا حتى تكاد تنطفئ.فملايين العاطلين والفقراء لا يسعهم الانتظار أكثر مما فعلوه ، فطاقتهم على الصبر والانتظار أشد وهنا أمام قسوة حاجتهم المريرة لتلبية تلك المتطلبات والتطلعات مما قد يوقع الكثير منهم في مصائد التطرف والإرهاب.

اجتمع "اصدقاء اليمن" لمرات عدة منذ مطلع عام 2012 بحثا في السبيل الكفيلة والسريعة لمساندة العملية السياسية الانتقالية في اليمن وخصصوا لها الموارد الضرورية والعاجلة في سبيل إنقاذها من الفشل. بيد أن تحريك تلك الموارد إلى القنوات والفئات المستهدفة لم يلق طريقه إلى التنفيذ على النحو المرجو وفي الوقت المطلوب. سارع البنك الدولي – الشريك التنموي الأول والأكبر لليمن منذ أكثر من أربعة عقود – مع الحكومة اليمنية وأصدقاء اليمن لتخطى تلك الفجوة في تحريك الموارد بإنشاء المكتب التنفيذي للتسريع في استيعاب تلك المساعدات المخصصة من أصدقاء اليمن والمقدرة بنحو 8 مليارات من الدولارات ، غير أن شيئا من ذلك لم يتحقق كما لو أن هذا المكتب هو الآخر بحاجة إلى مكتب تنفيذي آخر لتسريع دوره في تسريع استيعاب المساعدات. كما تسعى منظمات إقليمية ودولية أخرى شريكة لليمن في مجال التنمية كمؤسسة صلتك والمؤسسة الالمانية للتعاون الدولي والبنك الاسلامي للتنمية ووكالات التنمية الأمريكيةواليابانية والفرنسية والتركية والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وغيرهامن المنظمات الاقليمية والدولية على تصميم وتنفيذ برامج ومشاريع تنموية تستهدف الشباب لتحسين ظروف معيشتهم وتمكينهم وخلق فرص عمل لهم بهدف مساندة العملية الانتقالية غير أن القليل والقليل جدا قد تحقق على هذا المسار هو الآخر. هذا البطؤ الشديد في عملية الإسناد يهدد بشكل جدي مسار العملية الانتقالية وتحقيق اختراقات ملموسة للانتقال إلى مرحلة التحول. وليس هذا مجال للوم الاطراف عن مسئولية التباطؤ ، لأن ذلك ما كنا قد حذرنا بشأنه مبكرا من تكرار الفشل الذي لحق بمؤتمر المانحين في لندن عام 2006 الذي أنتهى باستيعاب ما لا يزيد عن 10% فقط من تعهدات المانحين في ذلك المؤتمر.

الوقت يمضي بسرعة مخلفا ركاما من الضحايا والضحايا الصامتون إلى أجل غير قصير ، وجبال شاهقة من التحديات والمخاطر تتراكم والغام متفجرة تزرع في كل منعطف بما يهدد نموذجا فريدا للانتقال السياسي السلمي بالفشل والتي خطت نحوه اليمن بجرأة وشجاعة وعزيمة وتصميم. في لقاء رسمي مع فخامة الرئيس عبده ربه هادي حضرته في يونيو من العام الماضي أوضح الرئيس رؤيته بجلاء في إسناد العملية الانتقالية بالتركيز على تأمين فرص العمل للشباب وتمكينهم من حياة حرة كريمة ودعوته لأصدقاء اليمن بسرعة تحريك هذا المسار. غير أن ما يبعث على القلق والاحباط في وقت واحد هو أن هذا المسار يتحرك ببطيء شديد على نحولا يخلو من الغفوة وعدم الاكتراث.

صرختنا في هذا المقال موجهة لجميع الاطراف المعنية بالعملية الانتقالية السلمية في اليمن ومساندتها وذلك عبر الاسراع في تحريك الموارد وتكثيف الجهود باتجاه برامج وأنشطة تنموية من شأنها امتصاص البطالة والتخفيف من الفقر ، مع التركيز على شريحة الشباب والنساء. فهما شريحتان هشتان مهددتان بنضوب الصبر وعدم القدرة على مواجهة الصعاب الماثلة. هذه الصرخة تشدد على ضرورة تجاوز البيروقراطيات والميكانزمات المعتادة ، فالمرحلة استثنائية ينبغي أن تقابل بميكانزمات وسياسات وبرامج استثنائية وعاجلة قبل فوات الأوان ، وقبل ذلك توافر رؤية مؤسسية واستراتيجية واضحة وإرادة قوية وإدارة فعالة وكفؤة.

زر الذهاب إلى الأعلى