من الأرشيف

بصراحة.. هذه هواجسي!‏

عجائبُ المشهد السياسي في اليمن لا تنتهي وغرائبُه لا تنفد.. وإذا كانت فكرة الأقاليم ما تزال ‏ترجّ البلد بين القبول والرفض، فإن تغيير اسم الدولة كذلك سيكلّف البلاد الكثير على ‏المستويين المادي والنفسي،.. وحتى السياسي ولأنّ الإسم دلاّلٌ كما يقال!‏

أظنّ أنه ما يزال في الوقت متّسع كي يتم الإبقاء على الاسم كما هو، وأظنّ أن صانع القرار ‏قادرٌ على اقتراح ذلك تفادياً لما لا يُحْمدُ عقباه، أو تُشكرُ خاتمته في قادم السنين والأيام!‏

يجب ان نتأمل التجربة العراقية عن كثب!.. ولعلّ أحداث الخميس الماضي في العراق أنْ ‏تُنبّه إلى أخطارٍ تلوحُ في أفقٍ داكنٍ وحرائق قد تحدث في جوٍّ لاهب، وقنابل موقوتة قد تنفجر ‏في ظلامٍ دامس نتيجة شكل الدولة المقلّم والمقسّم ومضامين الرؤوس الفارغة!.. حكومة بغداد ‏تتّهم إقليم كردستان ببيع النفط العراقي من وراء ظهرها! ولذلك تُقرّر قطْع الرواتب عن الإقليم! ‏فيسارع البرزاني رئيس الاقليم بالتلويح بانفصال إقليم كردستان!‏

هكذا إذن وكما يقول نقّادُ الأدب : الشكلُ يصنع المضمون! والنهايةُ محكومةٌ بالبداية، والثمرةُ ‏بالبذرة، والحياة كما نراها في العراق كل يوم : قتلى وميليشيات وتفجيرات في كل مدينة ‏وشارع، وهي نتائج حتمية للطائفية السياسية والمذهبية التي تحكم العراق وتتقاسمه مثل تقاسمِ ‏ثورٍ مذبوح!‏

ما يقرُب من عشر سنوات تحت حكم الأقاليم فعلتْ بالعراق ما لم تفعله سنوات الحرب، كما ‏أن مئات البلايين من الدولارات لم تُعِدِ المياه النظيفة للمواطن العراقي ولا الكهرباء لبيته، ولا ‏الأمن لشارعه.‏

سأتحدّثُ عن العراق فحسْب! لا أقصد : إيّاكِ أعني واسمعي يا جارة! ربّما لأن اليمنيين ‏يتحسّسون ويتأفّفون ويندهشون من المقارنة! ولا يدركون أنهم في أحسن الأحوال على الطريق ‏ذاتها.. وفي الظلام!.. وبالنسبة لي فإن الكلمة هنا تصبحُ جَرَسَ إنذار، وواجبَ ضمير،.. ‏وبصراحة، هذه هواجسي! هواجسُ تأبى إلاّ أن تفصح وتصيح وتطلّ برأسها وضوء حريقها ‏واحتراقها خوفاً على البلد، وهلعاً على مستقبل أجياله.‏

بعيداً عن العراق وما يحدث فيه.. أريد أن أرى هذا البلد وقد تعافى عاجلاً من آفاته الأربع : ‏ضرْب الكهرباء، وتفجير أنابيب النفط، والقتل اليومي المستمر للجنود والضباط غيلةً وغدرًا ‏وبلا معركة، وقطع الطرق بين المحافظات. هذا هو الحدّ الأدنى العاجل لوجود دولة أو حكومة ‏أو حتى شرعيّة!‏

أريد أن أرى أحزاب اليمن وقد تخلّصَتْ من أمراضها القاتلة الأربعة : استخدام السلاح، ‏والعمالة للخارج، والمذهبية العنصرية، والمناطقية السياسية! أليس ذلك هو الحدّ الأدنى ممّا ‏يجب على أيّ حزب وفي أيّ مكانٍ في العالم حتى في أدغال افريقيا ؟!‏

أريدُ أن أرى أربعة معايير حاكمة وفاصلة في تقييم الرجال قادةً وزعماءَ سياسيين جُدداً أو ‏قدامى : ألّا يكون السياسيُّ قاتلاً، أو ناهباً، أو أجيراً من الخارج، أو محكوماً بمناطقية أو ‏مذهبية! إنها شروط الحدّ الأدنى للقبول.. إنها قيمُنا، وقيْمتُنا، نُصِرُّ عليها، وننتصرُ بها ولها ‏مهما طال الظلام وتطاول الغبار.‏

هذه منظومةُ قِيَمٍ، ومعاييرُ تقييمٍ يجب أن يُعاد اعتبارُها في حياة اليمن واليمنيين، ولعلّها أن ‏تكون دليلاً للشباب الحائر الذي يُصدّق كلّ زاعقٍ ويجري وراء كلّ ناعِقْ دُون تمعّن أو رَويّة ‏أو رؤية أو معيار أو اختبار! وتحت جُنح الرُباعيّ القاتل : الظلام المستمر، والغبار، والفراغ، ‏والفقر.. رباعيٌّ قاتل يمهّد الطريق للعودة للقرن الثالث الهجري! لذلك، نعرف لمصلحة من هذا ‏الظلام! فمتى يكون العزمُ والحزمُ.. وللأسف فإن الصّبْر لم يبدأ في النفاد.. لأنّه قد نفد من ‏زمان!‏

زر الذهاب إلى الأعلى