لا أحب للدولة أن تقف مع طرف ضدّ طرف. لكنني أكره كذلك أن تتخلى عن وظيفتها كدولة بأن تحمي شعبها وتحافظ على مقدّراته من الثروات والطرقات والكهرباء والنفط والسلم الاجتماعي.
لا أحب للدولة أن تقف مع طرفٍ ضدّ طرف.. لكنني أكره كذلك أن أراها مجرّد وسيط غلبان يرجو ويتمنى ولا أحد يلتفت إليه أو يسمعه ! مجرّد وسيط حائر بلا منظومة قِيَم حاكمة يجب أن تُعلَن وأن تقال. وبداية الحل أبسط مما يتصور كثيرون: القانون فوق الجميع ! والخارجون على القانون يجب أن يعاقبوا بغضّ النظر عن هوّياتهم السياسية , أو مرجعياتهم المناطقية . الدولة مسؤولةٌ عن ذلك.
قطْع الطريق جريمة ولا تحتاج إلى وساطة.. ومن الدولة! والقتل هو القتل! لا يمكن التوافق عليه أو تبريره . والسلاح هو السلاح ! أساس البلاء , وخراب الأوطان , والدولة معنيّةٌ بمنعه , ومطالبة كل الأطراف بتسليم الثقيل منه !.. كلّ الأطراف وبلا استثناء! ومن خالف يجب أن تعاقبه الدولة والشعب وراءها.
التوافق على الطريقة اليمنية كأسٌ من السمّ الزّعاف! لو كان دواءً يُسْتَطبُّ به لماتت شعوبٌ وسقطت دول! توافق الجميع على الجميع! ياله من توافقٍ أفّاق! ما دمتم قد توافقتم فلماذا الطرق مقطوعة , والكهرباء مضروبة , والنفط مسروق والحروب مشتعلة على أبواب العاصمة , وضحايا الجيش والأمن كل يوم بلا غريمٍ ظاهر , أو مجرمٍ سافِرْ؟..
تتهلّل الوجوه , وتنتعش الآمال لتعيين وكيل محافظةٍ أو وزارة من إقليمٍ ما! يالأحلام العصافير.. بل الصراصير! يالها من ثورةِ تغيير هائلة حقاً! أهذه خاتمة مطاف الأحلام ونهاية الآمال.. هل أصبحت أحلام الوطن مجرّد وظيفة محسوبة لإقليم!
منذ أسابيع , وأنفاس النخبة الخائبة تكاد أن تتوقف ترقّباً لتقاسم الوظائف والوزارات والمؤسسات بينما تشتعل الحروب في المناطق , وتتقطع الطرق ويتساقط أبناء القوّات المسلحة والأمن في حربِ إبادةٍ يومية غير معلنة ! ولم نسمع عن قاتلٍ واحدٍ تمّ القبض عليه , أو محاكمته علانيةً ومعرفة دوافعه أو دافعيه ! إنّ مقتل جندي واحد أخطر وأهم من الوزارات والأقاليم ولكنّ أكثر الناس لا يعقلون ! الجندي هو حامي حمى الدولة في كل زمان ومكان.
الأسبوع الماضي تمّ قطع نقيل يسلح على طريق صنعاء تعز , وقطع الطريق في ذمار ويريم ورداع , والبيضاء , واستطاع الوسطاء من الأعيان إقناع المتقطعين بأن ينزاحوا عن الطريق.. أمّا طريق الحديدة فهي مقطوعة بشكل شبه يومي بينما الدولة وقد أصبحت كبيرة الأعيان مشغولةٌ أيضاً بالتوسط على مشارف صنعاء ولفتح الطريق أيضاً!
لا أتذكّر أنّ للوساطة بنداً في وثيقة الحوار ومخرجاته!ّ
الدولة مسؤوليةٌ وقرار لا وساطة وخوار . الدولةُ مسؤولةٌ لا متسوّلة , واسطةُ العِقْد لا وسيطة عُقَدْ!
الدولة مسؤوليةٌ وقانون ومساواةٌ وتفويضٌ من الشعب.. لكنّ هذا التفويض ليس شيكاً على بياض بل هو شرعيّةٌ مشروطةٌ بالحفاظ على الشعب ومكتسباته , وتحقيق أهدافه وأحلامه في حياةٍ كريمةٍ في وطنٍ عزيزٍ مرفوع الهامة والقامة.
الدولةُ أوّلاً.. قلتُها مرارا , ولا منجاة إلّا الالتزام بالقانون وعلى الجميع.. أمّا التوافق صباحاً والاقتتال مساءً فخرابٌ آثم وسرابٌ دائم.
إنّ تقدم الشعوب لا يكون بالمداهنة والمجاملة والتوافق الكاذب.. بل بتحديد المسؤوليات وتجريم الجرم أياًّ كان مصدره, وأياً كان فاعله.. إذا فعلت الدولة ذلك ستنتهي حيرةُ المواطنَ, وستتبدّد عَتْمةُ مخاوفه وغياهب ظنونه.