[esi views ttl="1"]

حتى لو كان الترحيل إلى المريخ!‏

اندهش كثيرون عندما تم ترحيل الصحفي الأمريكي آدم بارون فجأةً قبل اسبوعين عن اليمن ‏‏.. وحاول البعض أن يجد سبباً واحداً للترحيل فلم يفلح! لكنّ الإجابة جاءت سريعةً واضحةً بعد ‏أيام ومن حيث لم يحتسب أحد.. فقد تم منع حمدي البكاري مراسل قناة الجزيرة من المتابعة ‏والتواجد على تُخُوم المعارك في شبوة وأبين.‏

أسباب منع مراسل الجزيرة هي نفسها أسباب ترحيل آدم بارون! لا يُراد للحقائق أن تظهر، ‏وللوقائع أن تتبين! وكأنّ الظلام الذي يُطبِقُ على كل شيءٍ في البلد، والغموض الذي أصبح ‏سيّد اللحظة لا يكفيان!.. وهكذا، فإنّ أحداً لا يجب أن يُشعل شمعةَ ضوءٍ من معرفة، أو قَبَسَاً ‏من حقيقة في نَفَقٍ مُظلمٍ لا تبدو له نهاية حتى الآن!‏

وبينما تَسْرَحُ الطائرات الأمريكية بلا طيار في أجواء اليمن وتضرب كل يومٍ تقريباً، ‏وتستأجرُ السفارةُ الأمريكية أحد أكبر فنادق العاصمة لموظفيها وجنودها وخبرائها وهم بالآلاف ‏يضيقُ صدرُ الدولة بصحفيٍّ أمريكي شاب مُحِبٍّ لليمن إلى درجة العشق! وهو الذي لم يكتب ‏حرفاً واحداً يُسيءُ لليمن وشعبه، كما أنّ مقالاته منشورةٌ في صُحُف عالمية مثل: ‏the ‎Economist،‎ ‎،McClatchy Newspapers ‎،the Christian Science Monitor،‎ ‎Foreign Policy،‎ the Guardian،‎ the Daily Telegraph،and the Independent‏.‏

وإذن، فإنّه لم يكن من داعٍ أبداً للترحيل وبطريقةٍ غير لائقة ودون إبداءٍ للأسباب سوى كلمةٍ ‏مُضحكةٍ تقول: غير مرغوب فيه! وهو المصطلح اليمني للتعبير عن الجُملة الشهيرة المقابلة: ‏غير مُرحّب به!‏

يبدو أن روح الإمام يحيى ما تزال ضاربةً أطنابَها على الدولة اليمنية، فقد كانَ متوّجساً من ‏كل زائرٍ لليمن حتى لو كان مُحبّاً مثل اللبناني أمين الريحاني والتونسي عبدالعزيز الثعالبي ‏وهُما من كبار العرب فكراً وثقافةً ووطنية . وقد يكون الإمام معذوراً في حينه لعدم معرفته ‏بهذه الشخصيات وانعدام المعلومات.. وكان ذلك قبل تسعين عاما تقريبا أمّا أن يتوجّس البعضُ ‏خِيفةً في زمن المعرفة والعلم ووسائل الاتصال والمعلومات فهذا ما لا أجد له تفسيراً.‏

صحيحٌ أنّ لكل دولة الحق في أن تُرحِّل من تشاء من الأجانب المقيمين على أرضها.. ولكن ‏حين يكون الضحية صحفياً هو الصحفي الأجنبي الوحيد في البلاد تقريبا (هناك صحفي آخر ‏ووحيد على وجه التحديد )ويتم ترحيله دون إعلانٍ عن الأسباب فإنّ ذلك يُسيءُ للبلد ويطرح ‏علامات استفهام لم يكن أحدٌ بحاجة إليها، وخاصّةً في الظروف التي يعيشها اليمن الآن. ولقد ‏سمعت أن جمال بن عمر مندهش من الترحيل وأنّ مؤسسات صحفيةً عالمية توشك أن تُصدر ‏بيانات إدانةٍ للترحيل ايضا.‏

باستمرار، هناك صحفيون غربيون متخصّصون في قضايا العالم العربي أمثال روبرت ‏فيسْك البريطاني، وباتريك سِلْ الفرنسي.. وعندما تتأمل مسيرة هؤلاء الصحفيين تجد أنهم ‏عاشوا سنوات طويلة في العالم العربي وتبنّوا قضايا شعوبه في التحرر والتقدم والديمقراطية ‏منذ يفاعتهم وشبابهم وحتى كُهولتهم حين أصبحوا من كبار الصحفيين في العالم.‏

وكنتُ أريد لآدم بارون أن يكون روبرت فيسك اليمن بعد أن توسّمتُ فيه معالمَ مَحَبّةٍ لليمن ‏لا تُخطئها العين. وقد قلتُ له ذلك ذات يوم حين وصل إليّ زائراً مع صُحبةٍ من شباب اليمن ‏أظنّهم من شريحةٍ هي الأنقى والأكثر وطنيةً في من عرفتُ من الشباب.‏

رغم ترحيله المفاجئ فإنني ما زلتُ آملُ أن يعود إلى اليمن.. البلد الذي أحبّه آدم حتى العشق، ‏وتبنّى أحلامه في التغيير والاستقرار والتقدم.. ومرّةً أخرى، في هذا الزمن لا يمكنُ منعُ ‏صحفيٍّ أن يكتب حتى لو تمَّ ترحيلُهُ إلى المريخ! فوسائل الاتصال الحديثة تجعلُ من الصحفي ‏موجوداً في كل مكان ويصبح الترحيل مجرّد استعداء بلا أيّة دواعٍ حقيقية.. ولكن، مَنْ يُقنِعُ ‏عقلية الإمام يحيى المتوجّسة والتي ما تزال تسيطرُ على روح بلدٍ بكامله للأسف!‏
لا شيءَ كالظلامِ والغُموضِ يَصنعان الأخطاء والطُغاة والهزائم!‏

زر الذهاب إلى الأعلى