لجنة صياغة دستور اليمن الفردوسي والمليء بالأمن والنعيم سوف تنتقل إلى ألمانيا لتسأل هناك وتستفيد من تجربة 15 دولة فيدرالية حسب آخر الأنباء التي طلعت الخميس..
ويأتي هذا الانتقال لـ17 نجماً فيدرالياً دستورياً ضمن الجهود المُضنية التي تقوم بها فرق ولجان الدولة الاتحادية ابتداءً من عبدربه منصور هادي وصولاً إلى هذه اللجنة، التي تسعى لنقل اليمنيين بلمسة سحرية إلى دولة تنافس أمريكا وألمانيا وروسيا، وتكون جمهورية اليمن الاتحادية. وهكذا تشابه تلك الدول لمجرد دستور وأسماء وإجراءات..!
السؤال الأول: إذا كانت هذه اللجنة ستذهب إلى ألمانيا للسؤال عن 15 دولة، فلماذا لا تتصفح الكتب في المكتبات أو تدخل إلى الانترنت وتسأل عن معلومات عامة منتشرة؟
السؤال الثاني: لماذا 15 دولة؟ بما أن عدد الدول الفيدرالية 30 دولة، لماذا لا تسأل عن الكل؟ أم ستختار ما يحلو لها من التجارب؟ وتحاول تغطية وجه شمس التجارب الأخرى بغربال؟!
***
قبل فترة ذهبت لجنة سياسيين أُطلق عليها فريق "العصف الذهني" إلى أثيوبيا للسؤال عن النظام الفدرالي، وآخذت اللجنة صوراً تذكارية إلى جانب "الدراجات النارية" على الطريقة الأثيوبية للاستفادة منها. وكتبت يومها، إنه كان على هذه اللجنة أن تذهب إلى وزارة الداخلية ومقرها الحصبة في صنعاء لتسأل عن أعداد النازحين والمتسللين من أثبويبا، وأن تستأجر حافلة نقل إلى الصافية أو أي شارع وتقف لتسأل النازحين الصوماليين والأثيوبيين عن تجربة الفيدرالية في بلدانهم؟. وكانت ستوفر على نفسها عناء الزيارة ومشكلة "الطائرة".!
هل تستطيع لجنة الدستور وجميع لجان الفيدرالية ومنظرو الأحزاب والتنظيمات والرئاسات أن تفند ما ورد من معلومات في كتابي "الفيدرالية في اليمن"؟ بدلاً عن أن تذهب إلى ألمانيا.. لطرق باب "الفيدرالية" والنظر إليها وجهاً لوجه؟. أليس أولى بها - مثلاً - أن تراجع مقالة كتبها نائب السفير الألماني في صنعاء سابقاً (فيليب هولسابفيل)، ورغم امتداحه الفيدرالية إلا أنه اعترف في موضوعه بعدة أمور لا يختلف عليها اثنان، غير أن لجنة الدستور، التي عليها أن تختار بين الفيدرالية والفيدرالية فقط، كل ما تبحث عنه هو النوع الأفضل من السُم الذي سيتم حقن البلد به بغية مساعدته في الموت السريع؟
ألمانيا دولة صديقة ونتوقع منها أن تذكر لجنة الدستور اليمنية السرية (تعد الدستور في غرف مغلقة).. إن ما تقوم به مخاطرة وأن عليها أن تشرح ما تفعل للناس.. ونثق أنها ستحصل من هذا النوع الكثير من النصائح. ولكن ليس أمامها خيار آخر ينقل البلد إلى الفردوس.
**
باختصار تام، تجارب الدولة الفيدرالية نوعان، نوع تأتي الفيدرالية عن طريق توحد دويلات متفرقة ومثال هذا النوع، الإمارات، أمريكا، كندا، ألمانيا.. الخ ومثل هذا أغلب الدول.. والنوع الثاني من التجارب هي التي تفرقت من دولة موحدة لأسباب مختلفة. ومثال هذا النوع، أثيوبيا، الصومال، العراق، السودان، بلجيكا.
البحث عن مقارنة أو سؤال عن تجربة فيدرالية من الدول التي ولدت فدرالية (النوع الأول) هو مغالطة لأن الأمر يختلف تماماً. فلو توحدت الدول الخليجية في دولة فيدرالية، فهناك تكون الفيدرالية ناجحة على الأرجح، لأن المكونات كيانات موجودة ومستقرة ولها أنظمة حكم، والفيدرالية فيها جاءت من أجل الوحدة ولم تأتِ استجابة للانفصال.
وعلى العكس في الدولة الموحدة في اليمن أو أي دولة أخرى.. هنا تصبح الفيدرالية مخاطرة ما لم تكن الدولة في الأساس قوية قوة كبيرة تمنع تفككها وتجعلها صالحة للتجارب.. أما عندما تأتي لدولة ضعيفة فأنت بالتأكيد تقوم بالقضاء على الدولة ولا تبني أي دولة أخرى.
**
هل تستطيع اللجنة التي انتهجت العمل السري لإعداد دستور، أن ترد على سؤال واحد يتعلق بالاقتصاد لا يختلف عليه اثنان متخصصان: هل تستطيعون إنكار حقيقة أن الدولة الاتحادية تحتاج إلى موازنة مالية مضاعفة أو أكبر، مقارنة بالدولة البسيطة؟
حضرة الخبراء والأكاديميين، أعضاء لجنة الدستور وبعد مضي شهور على تعيينكم.. نضع أمامكم سؤالاً: من أين ستأتون بموازنة الدولة الاتحادية التي تقومون بإعداد دستور لها. بدون وهم، وبدون تبشير، أن الفساد سينتهي وبحيرات الوهم في الجوف وغيرها ستتفجر؟. نريد جواباً عملياً لا يعتمد على الآمال.؟ هل من الممكن؟
بالطبع، لا يقع الانتقاد في هذا الموضوع على أعضاء أي لجنة؛ الأحزاب السياسية التي تبيع الوطن في ذمة ثاراتها السياسية هي المسؤولة بلا استثناء عن غش اليمنيين والتبرير لتقسيم البلاد والقفز إلى المجهول.
**
نكرر، بعد متابعة وبحث وانطلاقاً من حقائق لا يستطيع أحد إثبات عكسها، إن اليمن لن يكون دولة فيدرالية كما يبشرون، في المدى القريب على الأقل. وكل ما يحدث عبث وشرذمة وإنهاك لهذه الدولة. فإما نحافظ عليها أو ندخل في وادٍ اللادولة والعصابات والتشظي، لا قدر الله.