تسابق محموم يجري بين جماعتين مسلحتين نحو حصد أكبر عدد من القتلى اليمنيين «مدنيين وعسكريين» والوصول إلى تحقيق الهدف الأساسي بجر البلاد إلى فوضى وحروب أهلية وتقويض للدولة اليمنية وإفشال عملية التحول الديمقراطي ومخرجات الحوار الوطني الذي حصل على تأييد شعبي ودعم دولي.
الحوثي يهاجم أراضي ومؤسسات الدولة ويعتدي على موظفيها ومواطنيها ويقتل العشرات ويدفع بآلاف الشباب ويخدعهم ويغرر بهم ويكذب أنه يحارب التكفيريين السلفيين والوهابية.
والقاعدة تقوم بنفس الفعل وتصدر بيانات ضد اعتداءات الحوثي على السّنة، ثم فيلماً قصيراً عن إحدى جرائمها وتقتل فيها الجيش اليمني الحوثي وآخر الفيلم يبرزون محفظة شخصية على أنها لأحد الجنود القتلى ويتم تفتيشها أمام الكاميرا ويظهر صاحبها المزعوم يحمل شعار الحوثي الخاص بالموت والكراهية لليمنيين والعالم.
كلاهما يقاتلان أمريكا وإسرائيل والصهيونية ويسوقان اليمنيين إلى المحرقة قتلة ومقتولين وإعلامهما يتعاون مع إعلام طرفين آخرين لتبرير الجرائم وتوفير المعلومة والخرائط والتغطية السياسية لها.
أمريكا لا يهمها أن يُقتل يمنيون بيد يمنيين وأجانب سواء كانوا ممن حاربوا مع النظام السوري أو ضده, فكلاهما تقاتلا هناك ويقتلان اليمنيين هنا.
وحسب أحدهم, فلا فرق بين هجوم القاعدة على السجن المركزي بصنعاء والإفراج عن سجنائهم وهجوم الحوثيين على السجن المركزي بمدينة عمران وإطلاق كل نزلائه السجناء والإبقاء على مجموعة من أتباع الحوثي وتسليمهم الأسلحة ليتحولوا إلى محاربين معه، كما حدث بالضبط من قبل القاعدة مع الفارين من مركزي صنعاء.
نهاية الأسبوع الماضي كنت عائداً من مدينة حجة عبر عمران, ورأيت مخيمات ونقاطاً للحوثيين عليها وفيها شباب يمنيون متحفزون للقتل وتعرضوا للتعبئة التي تتجاوز التعصب لمذهب وسلالة، ولكن إلى حد أن كل ما عداهم على الباطل وعدو وخصم وموالٍ لأمريكا وإسرائيل وتكفيري.
لا أعلم عن أي تكفيريين يتحدثون وهم يقتلون أناساً من الزيدية ومنهم هاشميون سواء كانوا من خصومهم السياسيين أو منتسبي الجيش والأمن, تذكرنا هذه بتلك التي حدثت للمطرفية وهي فرقة زيدية اختلفت مع أئمتهم بشأن شرط الإمامة الأول المتعلق بالنسب المحصور بالبطنين.
الفرق بين أولئك من إرهابي القاعدة وهؤلاء من قتلة الحوثي فقط, في أن القاعدة يسعون للقتل والتدمير والقضاء على الدولة ولا مشروع لديهم لما بعد, فيما الحوثيون يرتكبون كل ذلك لتدمير الدولة وإقامة دولة أخرى وفق مواصفاتهم ومقاييس سيدهم المختبئ في مران، وإن لم فوجود دولة داخل الدولة .
المعركة بين الدولة ممثلة بقواتها المسلحة والأمن والجماعات المسلحة المتمردة على الدولة والنظام والقانون ومخرجات الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن الأخير صارت على أشدها في الشرق والشمال ومحيط العاصمة صنعاء, وهي معركة اليمنيين جميعاً إذا أرادوا بناء الدولة التي لا زالت حلماً يراودهم منذ عقود.
هي لم تعد مجرد قضية تخص الدولة اليمنية وحدها والمجتمع اليمني لوحده, بل صارت قضية تهم الإقليم والمجتمع الدولي عموماً, خاصة ما يتعلق بجماعة الحوثي التي رعى مشاركتها في مؤتمر الحوار الوطني وهاهي اليوم تنقلب عليه وتعلن رفضها, بل وتحديها لقرار مجلس الأمن الأخير وتحديها للمجتمع الدولي بصورة عامة.
المشهد صار واضحاً, فجماعة الحوثي كثرت مبررات حروبها وتخوض حالياً معركتها الأخطر مع قوات الجيش والأمن وتسعى للسيطرة على الجبال المحيطة بعمران من الشمال والشرق والغرب والجنوب وهي تشكل أهمية استراتيجية عسكرية للعاصمة صنعاء, فجبل الضين الذي تحاول منذ أيام السيطرة عليه يشرف على مطار صنعاء الدولي وقاعدة الديلمي الجوية.
أتألم لأجل كل يمني يسقط قتيلاً في هذه المعركة العبثية التي تخوضها جماعتان مسلحتان متمردتان, لكن مما لا بد منه الحفاظ على الدولة الهشة من الانهيار ليتسنى لنا بناء دولة الحق والحرية والعدالة, وإذا انهارت الدولة تماماً فلن نجد مانبني عليه, أو سيقوم «سيدهم» الحوثي بإقامة دولة وفق المقاييس والمعايير التي تخصه وقد جربتها اليمن حتى ثورة 26 سبتمبر 1962م.