يلحظ المتأمّل في تحوّلات المشهد السياسي اليمني طيلة عقد مضى، أن ثمة عاملاً مشتركاً بين القوى المتنافسة على السلطة، يتمثل في كون الواحدة من هذه القوى، سواء كانت في الموالاة أو في المعارضة، لا تعتمد خيار تقديم أداء أفضل تتفوق فيه على منافسيها، بل تركن على الفارق في نسبة الأخطاء قياساً بهم، الأمر الذي تحولت معه هذه القوى إلى لاعبين في ماراثون سلبي يفتقر للإمتاع والإبداع، وينتصر فيه الطرف الأقل خطأ وليس الطرف الأفضل عطاء.
لعلّ هذه السمة كانت هي الغالبة على أداء أحزاب المعارضة المتمثلة في أحزاب "اللقاء المشترك" إبّان حكم علي عبد الله صالح، إذ لم يكن لدى هذه الأحزاب ما تقدمه للجمهور سوى عريضة بأخطاء النظام الذي ينطبق الحال عليه كذلك، فكان بدوره، يرصد أخطاء المعارضة، ويُوقعها بأشراكٍ وأفخاخ بغرض الإثبات أنها على الأقل، ليست أفضل منه. استمرّ الوضع على هذه الوتيرة لسنوات، حتى بدت السياسة محض أفخاخ ينصبها هذا الفريق لإيقاع خصمه بوحل من الأخطاء، أو على الأقل، السكوت عن تماديه، إلى أن وصل الجميع إلى حالة فقدوا معها موهبة التنافس على تقديم الأفضل.
أخطاء صالح أقصته عن السلطة نهاية 2011، وأخطاء المعارضة حرمتها من إنجاز ثورة كاملة، لتأتي "المبادرة الخليجية" كحل وسط ضمِنت فيه المعارضة "نصف ثورة"، وضمن فيه النظام "نصف رحيل". وبعد تشكّل "حكومة الوفاق" مناصفة بين الطرفين، ظلّ تصيُّدُ الأخطاء هو الشغل الشاغل للآلة الإعلامية لكليهما، وفي غمرة ذلك، بات الرئيس عبدربه منصور هادي، هو الآخر، يرمي تقصيره على أخطاء سلفه. ليشهد العام 2014 صعود طرف جديد يتمثل بالحوثيين بانين توسّعهم على أخطاء الجميع، ورغم ارتكابها العديد من الأخطاء بل الخطايا، منذ انتشارها في العاصمة صنعاء ومدن أخرى قبل تسعين يوماً، إلا أنها لاتزال تجمّل صورتها بين الحين والآخر، بأخطاء "القاعدة" وخطاياها.
اليوم، يعوّل خصوم الجماعة على ارتكابها المزيد من الأخطاء، ويبقى الشعب بالتالي، مخيّراً بين العروض الأقل سوءاً. على أن القصة برمّتها، تبدو مؤشراً على موات مأساوي للجانب الخيّر في المِخيال السياسي اليمني، العاجز، حالياً، عن جعل تقديم المنفعة قرباناً لحصد المكانة.