من الأرشيف

وماذا بعد الوقت الضائع؟

مصطلح الوقت الضائع من المصطلحات الحديثة ويتم استخدامه في الملاعب الرياضية وصفاً للدقائق الأخيرة من المباريات. وهو هنا في هذا الحديث يعبّر عن الوقت الطويل الذي أضعناه في الحوارات والمناقشات والمناكفات انتظاراً لما بعدها دون جدوى. كان القليل من ذلك الوقت الضائع الذي بعثرته الدولة ومعها المكونات السياسية كفيلاً بإيصال البلاد إلى بر الأمان السياسي والاقتصادي والأمني لو أن حسن النية كان متوافراً لدى كل الأطراف التي شاركت في الحوار ووافقت على مخرجاته ووقّعت اتفاق السلم والشراكة ووافقت على تنفيذه، وما تزال تشارك في حوارات جانبية وممتدة، وكأن لا نهاية لحوار اليمنيين مع بعضهم ولا نهاية للأوضاع الخطيرة التي تشهد انخفاضاً في الاقتصاد وانهياراً في الأمن وغياب شبه تام لوجود الدولة بمعناها العام والخاص كسلطة متماسكة ومسؤولة.

لقد تبدد وقت اليمنيين حاكمين ومحكومين في الآونة الأخيرة خاصة وكما لم يحدث في أي وقت مضى، وصار الجميع -بلا اتفاق مسبق- يسيرون من وقت ضائع إلى وقت أضيع، وكأن هناك قوة غامضة غير مرئية تسيِّرهم على هذا النحو وتحرص على أن تكسب الوقت الضائع لمصلحتها وإيصال الأوضاع إلى درجة تجعل أبناء هذه البلاد الذين يعشقون الحرية والعدل ويؤمنون بكرامة الإنسان يكفرون بكل هذه القيم ويرون فيها سبباً لمعاناتهم وتعطيل أنشطتهم وما يتعرضون له من أزمات مدمرة وممنهجة على الصعيدين السياسي والاقتصادي. ولعل أسوأ ما صنعته ردود الأفعال الناتجة عن الأوقات الضائعة والأزمات المتلاحقة أنها جعلت عدداً من أبناء الوطن الواحد يحمِّلون الوحدة مسؤولية ما وصلوا إليه مع أنها هي التي جمعتهم بعد افتراق ووحَّدت كيانهم بعد نزاعات وحروب . وقد ساعد على إيجاد هذه الحالة المؤسفة تسطيح الوعي وغياب الولاء الوطني الذي من شأنه كبح جماح الانفعالات الآنية.

عام كامل تقريباً من إعلان مخرجات الحوار التي لم ينفذ منها شيء وأكثر من أربعة أشهر مرت على توقيع وثيقة السلم والشراكة التي لم توضع موضع التنفيذ حتى الآن. والناس في كل البلاد يعانون من غياب الأمن أولاً ومن الإطفاءات المتكررة للكهرباء، ومن غياب أنبوبة الغاز ثانياً، ومن نوبات متكررة لغياب البترول ومادة الديزل ثالثاً، يضاف إلى ذلك كله غياب كثير من الاحتياجات الضرورية في الأسواق وارتفاع أسعارها إلى حد يصعب على المواطن محدود الدخل شراءها. وكلما مر الوقت دون حلول سريعة وكافية تزداد وطأة الهموم على صدور الناس ويزداد خوفهم أكثر من المستقبل ومما تحمله لهم الأيام القادمة في حالة استمرت الانسدادات في الأفق السياسي وتمسك الأطراف المعنية بمواقفها المتشددة، وما تعكسه على الشارع من مخاوف وشعور بعدم الأمان. وينبغي أن يكون واضحاً للقوى السياسية الفاعلة أن المواقف المرتجلة التي تسعى بجهود حثيثة إلى تحميل مسؤولية ما حدث ويحدث في البلاد على طرف واحد من الأطراف الموجودة في الساحة لا تخدم الحاضر أو المستقبل، كل الأطراف مسؤولة، وكلها ضالعة في إنتاج ما يحدث ولو لم تكن ضالعة في الأفعال فهي ضالعة في الصمت، علماً بأن لكل طرف سياسي جمهوره وأنصاره وله مستشاروه في الدولة ووزرائه في الحكومة، ويستطيع أن يبرئ نفسه عملياً مما يحدث من خلال إعلان موقفه الصريح بدلاً عن تحميل المسؤولية على الآخرين أو على طرف بعينه. ووسائل التعبير مكفولة كما لم يسبق في أي وقت مضى، وبعض هذه القوى أو الأطراف الفاعلة تمتلك وسائلها الإعلامية الخاصة بها، وعن طريقها تستطيع التعبير وإيصال وجهة نظرها إلى الشارع الحائر الذي يرى تصالحاً في قمة السلطة وتناقضاً في قاعدتها.

ولن يكون جديداً أو مفاجئاً القول بأن طرفاً واحداً من الأطراف السياسية القائمة حالياً في البلاد لن يتمكن من الانفراد بالسلطة أو اقتسامها مع طرف آخر، فالمياه التي جرت في نهر الحياة اليمنية قد غيّرت المعادلات السابقة وأفضت إلى ما يسمى بالشراكة ليس في تسيير الأمور الروتينية وتقاسم الوظائف الإدارية وإنما في الإشراف على التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي إرساء معالم العدل والمحافظة على وحدة البلاد وسيادة القانون وتطبيق مبدأ المواطنة المتساوية في يمن ديمقراطي.

بلاغ مفتوح لنيابة الصحافة والمطبوعات:

لا تعاني بلادنا من انهيار سياسي واقتصادي فحسب؛ بل تعاني من انهيار آخر هو الأخطر والأفدح وأعني به الانهيار الأخلاقي الذي يشكّل السبب الرئيسي في ما وصلت إليه البلاد من فساد وفوضى وانهيارات على كل صعيد. ومن دلائل هذا الانهيار أو بالأصح الانحطاط الأخلاقي تلك الكتابات المسمومة على "الفيس بوك" والتي نالني منها الكثير وآخرها مقال في تمجيد المؤتمر الشعبي العام الذي يمتلك العشرات ممن يدافعون عن وجوده ومنجزاته، وقصيدة تافهة في لغتها ووزنها تناولت موضوع آخر ولو كتبها تلميذ في الإعدادي لحكمت عليه بالرسوب في مادة الإنشاء مدى الحياة. أرجو أولاً من هؤلاء الذين يتعمدون إيذائي ويستغلون اسمي أن يخجلوا ويتوقفوا عن هذا الفعل الشنيع، كما أرجو من نيابة الصحافة والمطبوعات أن تتخذ الإجراءات القانونية تجاه هؤلاء وأمثالهم ممن يمارسون الافتراءات الكيدية العلنية ويشوهون وسائل التواصل الاجتماعي بما ينشرونه من أكاذيب وهراء.

تأملات شعرية:

ماذا ترجّي من أناسٍ
بعد أن تدنست أرواحهم
واستمرأوا الأكاذيب،
وباعوا ما تبقى من معاني
الصدق والحياء؟
اغسل يديك من شفائهم
ومن ولائهم
وأعلن على بلادك المرزوءةِ
العزاء.

زر الذهاب إلى الأعلى