آراء

خُمس الهاشمية السياسية

الدكتور فيصل علي يكتب: خُمس الهاشمية السياسية


من خلال متابعتي لردود الأفعال حول "مهزلة خُمس بني هاشم" وجدتُ أن كثيراً من الوعاظ لديهم مشكلة فقط مع "الحوثي" مغتصب السلطة، لكن ليست لديهم مشكلة مع خرافة "آل البيت" وبالإمكان أن يستبدلوا الحوثي بغيره من عصابة السلالة، وهذا تضليل وترحيل للمشكلة لا أكثر.

حتى لا يضل الناس ولا تزيغ قلوبهم وعقولهم لابد من مراجعة شاملة للتراث الديني الذي بات بيئة خصبة للخرافة والدجل والتضليل على الناس مما أثقل كواهلهم وخلق عنصريات وأساطير وخرافات تناقض روح الإسلام ومقاصد النص القرآني، والذي جاءت من ضمن مهامه مهمة فضح مهازل الكُهان والأحبار والرهبان، وليخلص العقل البشري من الأساطير التي تحرف مقاصد الدين وتشوه القيم والأخلاقيات التي نص عليها الكتاب، لكن في مقابل ذلك تم حشو العقل المسلم بقصص وأساطير بني إسرائيل وبني هاشم من خلال التفاسير وكتب التراث الديني عند مختلف الفرق الإسلامية.

لقد بات من المهم غربلة المرويات المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم من المفاهيم الباطلة والتي لا تستقيم مع النص القرآني ولا مع مقاصد الشرع، بل وتضج بالفكر العنصري السلالي وتشوه حياة النبي وفهمه للدين وللقرآن الذي جاء به كرسالة خاتمة من عند الله الواحد.

للأسف لم يخرج من فقهاء اليمن المعتبرين من يتحدث للناس عن مهزلة الخمس والركاز التي ظهرت صراحة في منهج الحوثي وقرارته التي تنص على السلب والنهب والتمييز العنصري وتمنح بني هاشم 20% خُمس ثروات البلاد في مخالفة للقرآن وللأخلاقيات والقيم التي جاء بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم كالعدل والمساواة والحرية، كما أنها تتعدى على حقوق الشعب اليمني وعلى هويته وتفرز المجتمع عنصرياً، بالإضافة إلى أنها تخالف نصوص دستور الجمهورية اليمنية، وخاصة المادة الثامنة من الدستور، والتي تنص على أن :
" الثروات الطبيعية بجميع أنواعها ومصادر الطاقة الموجودة في باطن الأرض أو فوقها أو في المياه الإقليمية أو الامتداد القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة ملك للدولة، وهي التي تكفل استغلالها للمصلحة العامة". وغيرها من المواد والقوانين.

استند الحوثي – وهو الجزء الظاهر من الهاشمية السياسية بينما بقية هذا الكيان فموجود في مختلف البُنى الاجتماعية والسياسية - على تراثنا في أحكامه وقراراته، وعلى حقه في الحكم بالقوة، كون التراث يعطي آل البيت والقرشية الحق في الحكم، وهذا من مفاسد التراث ومن صريح وقبيح مخالفته للقرآن الكريم وقيم السماء، لذا يجب تنظيف التراث جملة وتفصيلاً من هذا الضلال والخرافات، كما يجب تنظيف العقل اليمني من انحرافات وضلال المذاهب التي تحرمه من حقه في حكم نفسه بنفسه وتخالف ما توصلت إليه الأمة اليمنية من تطبيق للديمقراطية وهي النسخة المطورة من مفهوم الشورى الذي نص عليه القرآن في مسألة الحكم : "وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ".

إن اقحام الوعاظ في السياسة مفسدة لهم وللسياسة ولعامة الشعب، كما أن بقاء فكرة الإفتاء في مسائل السياسية - وهي من المسائل العامة - نوع من الضلال والتضليل، فكل مسألة عامة يخوض فيها الخبراء من كل تخصص، وليست مرتبطة برأي واعظ احتكر النص القرآني لنفسه باعتباره قد فسر مفهوم "أهل الذكر" الوارد في نص الآية القرآنية بشخصه الكريم.

أما بخصوص الفتاوى التي تصدر من أي شخص فهي كما يقول الفقهاء : " الفتوى تُلزم المفتي ، ولا تُلزم المُستفتِي" والفتوى -الصادرة عن جهة أو مؤسسة - في حد ذاتها مسألة تحددها الدولة وتحدد من هو المُفتي الشرعي، على اعتبار أن الدولة هي المسؤولة والراعية لكل مؤسساتها المدنية والعسكرية والسياسة والدينية والاقتصادية ، وهي من تحدد عمل كل مؤسسة على حده وتفصل بين عملها حتى لا تتداخل أعمال المؤسسات وتبقى أعمالها في مجال اختصاصها.

من خلال ما أكتبه وأنشره تخصصت شخصية وهمية بالتعليق على كل منشور؛ أنت شيخك الزنداني، وشيخك قال بإعطاء الخُمس لبني هاشم الخ الخ، لا أعرف كيف عرف أنه شيخي، ولا فيما أنشره ما يدل على إيماني وتصديقي بفكرة "الشيخ" سواءً كانت اجتماعية أو دينية، فقط للمناكفات والتصنيفات القادمة من زمن الرغاء الإيديولوجي، أحب أن أوضح له ولغيره أنا مؤمن بفكرة المواطنة وقيمها، ولي موقف قديم وصريح من الفتاوى في السياسة يتمثل في رفضها جملة وتفصيلاً، السياسة مصالح وليست فتاوى، والفتاوى في السياسة تثير الطائفية وتزيد الانقسام، وتفسد على الناس دينهم ودنياهم، تُسيء للدين وتُسيء للناس.

كما أني غير مُلزَم بقول الزنداني وغيره في مسألة تتعلق بحق الشعب اليمني في ثرواته وفي سيادته على أرضه وممتلكاته وحقوقه، وقوله بالخُمس مرفوض منذ أن تحدث فيه ورفضه قطاع كبير من أبناء الشعب اليمني ومن ضمن الرافضين لهذا القول أنا.

خلاصته لا خُمس لبني هاشم، ولا ولاية لهم على اليمنيين، ولا إمامة لهم لا في دين ولا في دنيا - ولي قول يخصني وأنا مسؤول عنه: "لا صلاة ليمني خلف مدعيي الهاشمية السياسية داخل أراضي الجمهورية اليمنية" - حتى لو سيطروا بالقوة على الحكم، لكن هذه السيطرة لن تدوم، كما أن مسألة "آل البيت" من الخرافات التي تتعارض مع المساواة التي جاء بها القرآن، أما بنو هاشم بدون ولاية وبدون آل البيت وبدون خُمس وبدون أي امتياز ديني أو سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي فأهلاًً بهم بين المواطنين اليمنيين، إن أرادوا الانتماء لليمن والشعب والأرض، وإن أبوا فالطريق التي أتوا منها مازالت مفتوحة ولا رد الله علمهم ولا أبقى لهم أثر.

زر الذهاب إلى الأعلى